(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
80231 مشاهدة
جزاء الصيد

ويخير بجزاء صيد بين ذبح مثل إن كان له مثل من النعم، أو تقويمه أي: المثل بمحل التلف أو قربه، بدراهم يشتري بها طعاما يجزئ في فطره، أو يخرج بعدله من طعامه فيطعم كل مسكين مدا إن كان الطعام برا وإلا فمدين.


قد اختلف في مقدار الإطعام لأن في الحديث: أطعم ستة مساكين وفي الآية: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ وفي الصيام يقول تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قرأها بعضهم: طعام مساكين، ما مقدار طعام المسكين الواحد؟ كثير من العلماء كالماتن هنا والشارح اختاروا أن للمسكين مدا من البر أو نصف صاع من غير البر هذا هو المختار عندهم.
إذا أطعم مثلا من الأرز أو من التمر أو من الشعير أو من الذرة، فنصف صاع، وإن أطعم من البر، فربع الصاع؛ لأن المد هو ربع الصاع. وعند بعض المشايخ أنه يخرج نصف صاع من كل طعام، من البر أو من غير البر؛ لأن نصف الصاع معتاد أن الجائع قد يأكله؛ يعني: قد يكون هناك بعض الناس شرها في الأكل أو شديد الجوع فيأكل نصف الصاع حتى من البر أو من الأرز. وبكل حال أكثر العلماء على أن إطعام المسكين هو أن يطعمه حتى يشبع، ويكون ذلك من طعام البلد التي هو بها، أو من ما يطعم أهله، فإذا جمع المساكين الستة وأصلح لهم طعاما كما يطعم أهله من الأرز مثلا واللحم أو من الخبز واللحم أو ما أشبه ذلك من الأطعمة، فأكلوا حتى شبعوا كما يشبع أولاده كفاه ذلك.
ولكن أكثر العلماء على أنه يملكهم، يسلمه لهم وهم الذين يتصرفون فيه، هكذا ذهب أكثر العلماء؛ لأنهم قد لا يأنسون بإصلاح غيرهم، وقد لا تقبل نفوسهم إلا ما عملوه بأيديهم، والناس يختلفون في إصلاح الطعام وفي تهيئته فإن عمل بالقول الأول وهو جمعهم وإطعامهم حتى يشبعوا كفاه ذلك، وإن رأى القول الثاني وهو الأشهر، وسلم إليهم الطعام ليصلحوه بأنفسهم، فلا يقتصر عن نصف صاع وهو الأحوط.

جزاء الصيد قد عرفنا أنه ورد فديته، والصيد تقدم أنه: كل ما هو متوحش طبعا مما أبيح اصطياده وأكله، فهذا الصيد إما أن يكون له مثل من بهيمة الأنعام؛ فيذبح المثل.
وإما أن لا يكون له مثل؛ فيُقوَّم وتخرج قيمته، يشترى بها طعام يتصدق به، أو تقوم إذا كان عاجزا عن الطعام فيصوم عن كل مد يوما، فعندنا مثلا -كما سيأتي- النعام من الصيد، النعامة فيها بدنة فإذا ذبح نعامة وهو محرم قلنا له: أخرج بدنة واذبحها لمساكين الحرم ؛ واحدة من الإبل، فإن أخرجتها أجزأت عنك، أو ثمِّن البدنة كم تساوي؟ فإذا قدّرت مثلا أنها بثلاثمائة من الريالات تشتري بثلاث المائة طعاما؛ تشتري به مثلا من البر أو الأرز، يمكن أن يكون مثلا ستين صاعا من الأرز قيمتها ثلاثمائة أي: هي قيمة البدنة، تتصدق بها على المساكين ستين الصاع، أو تصوم عنها، عن كل نصف صاع يوما، فيكون الصيام في هذه الحال كثيرًا. أي: مائة وعشرين يوما. هذا له الخيار بين أن يذبح البدنة أو يتصدق بستين الصاع التي هي قيمة البدنة أو يصوم مائة وعشرين يوما.
إذا كان الصيد مثلا غزالا، فإن فيها عنزا من بهيمة الأنعام نقول: أنت مخير بين أن تشتري عنزا وتذبحها لمساكين الحرم أو تثمنها. نقول: ثمنها مثلا مائة ريال، تشتري بالمائة من الطعام مثلا: عشرين صاعا، تتصدق بها على مساكين الحرم أو تصوم عن عشرين الصاع أربعين يوما. عشرين الصاع من الأرز لأربعين مسكين يعني: الأرز نصف صاع. إذا قدرناها بالأرز؛ هو قول: لكل مسكين نصف صاع من مُدّ بُرّ أو نصف صاع من غيره، فنحن قدرناها بالأرز؛ عن كل يوم نصف صاع أو كل مد من البر، أو كل نصف صاع من الشعير، أو من الذره أو من الأرز، إذا قدرناها بالبر قلنا: عن كل مد يوم. إذا قدرناها بالأرز قلنا: عن كل نصف صاع يوم؛ فنحن الآن قدرناها بالأرز قلنا: قيمة الشاة مثلا عشرين صاعا من الأرز. عن كل نصف صاع يوم؛ عشرين الصاع مثلا عنها أربعين يوما: إذا قدرناها بالبر فإن قيمتها من البر مثلا: سبعة أصواع من البر؛ عن كل مد يوم سبعة الأصواع؛ ثمانية وعشرون مدا أو هكذا. فالحاصل أنه يخير في الجزاء بين أن يذبح المثل كالبدنة أو البقرة عن حمار الوحش أو الشاة الضأن أو العنز عن الظباء ونحوها، وبين أن يثمن ذلك الجزاء الذي هو المثل بطعام يشتريه ويتصدق به، وبين أن يقدر ذلك الطعام بأيام. يصوم عن كل نصف صاع من الأرز يوما أو عن كل مد من البر يوما.